تواضع عمر بن الخطّاب
لو بحثنا في سيرة حياة سيّدنا عمر بن الخطاب لوجدنا أنّ أبغض شيءٍ إلى نفسه الكبر والتكبّر، فقد كان يمقت استعلاء الناس؛ ذلك لأنّ الكبرياء لله وحده، وقد كان يراقب نفسه مراقبةً شديدةً، ويقف لها بالمرصاد، ويذلّها حتّى لا تطمع أو يركبها الغرور. صعد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوماً إلى المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس لقد رأيتني ومالي من أكال بأكله الناس إلا أن خالات من بني مخزوم، فكنت استعذب لهنّ الماء فيقبضن لي القبضات من الزّبيب، ثم نزل عن المنبر، فقيل له: ماذا أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إنّي وجدت في نفسي شيئاً فأردت أن أطأطئ منه. وممّا جاء في تواضعه أيضاً ما روي عن الحسن قال: خرج عمر بن الخطاب في يوم حارٍ واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلام فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، قال: لا أركب وأنا أركب خلفك تريد أن تحملني على المكان الواطىء، وتركب أنت على الموضع الخشن، فركب خلف الغلام، فدخل المدينة وهو خلفه والنّاس ينظرون إليه. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يجد شيئاً في نفسه إذا ما قام بخدمة أحدٍ من الناس و مساعدتهم، وكان يهمّ إلى الخدمة والمساعدة كلّما وجد وقتاً لذلك، ومن ذلك أنّه كان يتسابق مع سيدنا أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه في خدمة عجوز عمياء، فكان يهيّئ لها الطعام ويكنس لها المنزل. وممّا جاء في تواضعه رضي الله عنه أنّه كان لِلْعبَّاس ميزابٌ علَى طَريق عُمَرَ بن الْخطَاب ، فلبسَ عمرُ ثيابه يوم الجمعةِ، وقد كَانَ ذبح لِلعبَاسِ فرخينِ، فلمّا وَافَى الْميزَاب صبَّ ماءً بدمِ الْفرخيْنِ، فَأصاب عُمَرَ وفيه دم الْفرخيْنِ، فَأمر عمر بِقلعهِ، ثُمَّ رجع، فطرح ثيابهُ وَلبسَ ثِيابهُ، ثُمَّ جَاءَ فصلَّى بالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ، فقالَ: واللَّه إِنَّه لِلْموْضع الَّذِي وضعه النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ، فقالَ عمر للعبَّاسِ: وأنَا أَعْزِمُ عليْك لَمَا صعدْت على ظَهْرِي حتَّى تضَعه في الموْضعِ الَّذي وضعَ رَسولُ اللَّهِ، ففعلَ ذلكَ الْعبَّاس.
د. محمد عبد القادر أبو فارس، 1987. ثلّة من الأولين. عمان -الأردن. دار الأرقم للنّشر والتّوزيع.
محول الأكوادإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء الإبتسامات