طليحة بن خويلد الأسدي

    من طليحة بن خويلد الأسدي؟
    كان طليحة أحد كهنة بني أسد، وقد ادَّعى النبوَّة هو الآخر في أواخر حياة النبيِّ شأنه في ذلك شأن الأسود العنسي ومسيلمة، واستقرَّ في بزاخة؛ وهي ماءٌ لبني أسد. وظهر أمره بعد وفاة النبي فتبعه قومه واستقطبوا حلفاءهم من طيء والغوث ومن إليهم، وانضمَّت إليه غطفان، والتفَّ حوله عوام طيء والغوث وبني أسد.
    كانت منازل بني أسد في نجد، وتقع إلى الشرق من ديار طيء وإلى الجنوب من منازل بكر، وإلى الشمال من ديار هوازن وغطفان، وتتاخم قبائل عبد القيس وتميم من الغرب. وبحكم هذا التجاور تحالفت هذه القبائل أو تخاصمت وفقًا لتطور أوضاعها والظروف المحيطة بها.

    إسلام بني أسد
    قدم وفد بني أسد إلى المدينة لمبايعة النبيِّ والدخول في الإسلام، وقد تألَّف من عشرة أشخاص منهم ضرار بن الأزور، ووابصة بن مبعد، وطليحة بن خويلد، وغيرهم. ويبدو أنَّهم كانوا في حال عداء مع جيرانهم بني طيء ففصل النبيُّ في هذا النزاع وكتب لهم كتابًا -كتبه له خالد بن سعيد- ورد فيه: "أَلَا يَقْرَبَنَّ مِيَاهَ طَيِّء وَأَرْضَهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُمْ مِيَاهَهُمْ، وَلَا يَلْجَنُ أَرْضَهُمْ مَنْ أَوْلَجُوا". وأقرَّ عليهم قضاعي بن عمرو وهو من بني عذرة، وجعله عاملًا عليهم[1]، كما كتب إلى حصين بن نضلة الأسدي: "أَنَّ لَهُ آرَامًا وَكِسَّةَ لَا يُحَاقُّهُ فِيهَا أَحَدٌ"[2]. أي أنَّ له أصلًا وشرفًا لا يُنازعه فيهما أحد.
    كانت أسد وغطفان وطيء قد تحالفت في الجاهلية قبل البعثة النبويَّة، ثُمَّ حدث خلافٌ بينهم فخرجت طيء من الحلف، فأجلاها بنو أسد وغطفان عن ديارها وانقطع بذلك ما بينها وبينهما، وهذا الذي دفع النبيَّ إلى إصلاح ذات البين ومنع أسدًا من التعدِّي على مياه طيء وأرضهم، ثُمَّ حدث تباعدٌ بين الحليفين أسد وغطفان، ولمـَّا ادَّعي طليحة النبوَّة وظهر أمره بعد وفاة النبيِّ ساندته غطفان؛ لأنَّها كانت على عداءٍ مع قريش، وقال عيينة بن حصن الفزَّاري: "ما أعرف حدود غطفان منذ انقطع ما بيننا وبين بني أسد، وإني لمجدِّد الحلف الذي كان بيننا في القديم ومتابع طليحة، والله لأن اتبع نبيًّا من الحليفين أحبُّ إلينا من أن نتبع قريشًا، وقد مات محمَّدٌ وطليحة حي"[3]. والواقع أنَّ هذه القبائل المضريَّة كانت تكره سيادة قريش.

    تنبؤ  طليحة بن خويلد الأسدي
    ليس واضحًا ما دفع طليحة إلى التنبُّؤ، وربَّما كان للتنافس القبلي دورٌ في ذلك بدليل قول عيينة بن حصن الذي أشرنا إليه، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التنبُّؤ في بلاد العرب.
    لم يَدْعُ طليحة العرب إلى العودة لعبادة الأصنام، كما لم يدعُ غيره من المتنبِّئين إلى العودة لعبادتها؛ والراجح أنَّ مردَّ ذلك بأنَّ النبيَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم قضى على الوثنيَّة في الجزيرة العربية قضاءً مبرمًا، واستقرَّت عقيدة التوحيد في النفوس بشكلٍ جعل التفكير في العودة إلى عبادة الأصنام ضربًا من الهذيان، فدعا إلى أفكارٍ لم يحفظ لنا التاريخ منها شيئًا يُذكر[4]، وكلُّ ما وصل إلينا أنَّه أنكر الركوع والسجود في الصلاة، وقال: "إنَّ الله لم يأمر أن تُمرِّغوا وجوهكم في التراب، أو أن تُقوِّسوا ظهوركم في الصلاة"، وقال -أيضًا-: "إنَّ الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئًا، فاذكروا الله أعفَّةً قيامًا فإنَّ الرغوة فوق الصريح"[5]. وهذا تأثيرٌ نصرانيُّ، الراجح أنَّ السبب في ندرة المعلومات يعود إلى أنَّ المسلمين الأوائل لم يُدوِّنوا إلَّا ما كان يتوافق مع أحكام الدين الإسلامي، وأهملوا ما دون ذلك.

    محاربة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لطليحة بن خويلد
    لقد حارب النبيُّ صلى الله عليه وسلم انتشار ظاهرة التنبُّؤ في حياته، فكما أوعز إلى مقاومة الأسود العنسي والتخلُّص منه إمَّا غيلة وإمَّا مصادمة، فقد وجَّه ضرار بن الأزور إلى عمَّاله على بني أسد يأمرهم بالقيام على كلِّ من ارتد، ونزل المسلمون واردات[6] ونزل طليحة ومن معه سميراء[7]، وكانت كفَّة المسلمين هي الراجحة بفعل تواتر الأنباء على انتصاراتهم في غير منطقة، حتى همَّ ضِرار بالسير إلى طليحة ومقابلته، ولقد سبقه أحد المسلمين يُريد أن يتخلَّص من هذا المتنبِّئ فضربه بالسلاح فأخطأه، وأسرع المحيطون به باستغلال هذه الحادثة، وأذاعوها بين الناس مدَّعين بأنَّ السلاح لا يُؤثِّر في نبيِّهم، وفي الوقت الذي كان فيه المسلمون يستعدُّون لمواجهة هذا الموقف إذ جاءهم نعي النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فاضطربوا وتناقص عددهم، وهرع الكثيرون منهم إلى طليحة يُتابعونه ويُؤيِّدونه[8].

    المصدر: كتاب تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية، لمحمد سهيل طقوش.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] ابن سعد: ج1 ص270- 292.
    [2] المصدر نفسه: ص274.
    [3] الطبري: ج3 ص257.
    [4] هيكل: ص130.
    [5] البلاذري: ص106.
    [6] واردات: موضع عن يسار طريق مكَّة، وأنت قاصدها. الحموي: ج5 ص347.
    [7] سميراء: منزل بطريق مكَّة. المصدر نفسه: ج3 ص255، 256.
    [8] الطبري: ج3 ص257.
    ........................................................................................
    منقول من موقع قصة الاسلام للدكتور راغب السرجاني